موضوع الاكتئاب يثير السخرية لدى الكثير من الأشخاص. وغالباً ما ننظر إلى الشخص المكتئب على أنه ضعيف أو هش. ربما نذهب أحياناً لوصفه بالكاذب والمتظاهر الذي يدعي الألم للحصول على عطف الآخرين. السبب وراء ذلك هو أن الاكتئاب كغيره من الأمراض النفسية ليس له آثار فيزيائية بارزة غير الأسى أو الحزن. لكن تشير الدراسات إلى أن كل انسان يصاب بالاكتئاب أكثر من مرة في حياته. الاكتئاب قد يدفع بصاحبة للانتحار وهذا يعني أن الموضوع يهم كل انسان. خاصة وان بعض أسباب الاكتئاب شائعة لدرجة مخيفة. الخبر الجيد هو أن من يعرف كيمياء الاكتئاب يستطيع مقاومته أفضل من غيره.
السبب الأساسي للاكتئاب هو شعور لدى الانسان أن من حوله لا يفهمونه. هذا الشعور له أسباب متنوعة ولكن النتيجة واحدة: الشعور بالعزلة. المصيبة هو أنه في كثير من الأحيان يكون الشعور مبرراً وبالتالي فإن الاشخاص المحيطين بالمكتئب لا يفهمونه حقاً وهذا ما يدفعهم للتصرف بشكل سيء أو غير مسؤول مما يعمق شعور المكتئب بالحزن. ويصبح الأمر حلقة جهنمية، المكتئب ينعزل أكثر والوسط المحيط يعذبه أكثر. إن لم يتم وضع حد لهذه الدوامة فالنتيجة الحتمية هي فقد المتعة بالحياة والظن على خطأ أن الموت راحة ومن هنا الانتحار.
بالطبع من السهل على انسان سليم أن يفهم هذا الكلام ولكن عندما يتوجه طبيب نفسي للمكتئب بهذه النصائح فإنه لا يستطيع ادراك مشكلته. هذا ما يجعل الأدوية مهمة لتخفيف حالة الاكتئاب وجعل مخ الشخص المكتئب منفتحاً أكثر لادراك ما يحصل معه.
مع كل ما يبدو من تعقيد هذه المسألة فإن الحل سهل. الانسان السليم يستطيع أن يجنب نفسه الوقوع بالاكتئاب بتبني بعض العادات الجيدة في سلوكه اليومي:
- بما أنه من المستحيل تغيير الآخرين لكي يفهمونا فلا بد من أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار في كل ما نفعله. من الجيد أن نعود أنفسنا على ممانعة الآخرين لما نريد. مثلاً، إذا كان المدير يريد منك القيام بعمل غبي، تأكد من أنه يريده فعلاً ثم قم به لكي تتجنب أن تعود المشكلة عليك بالاكتئاب. إذا تعلمت شيئاً جديداً تظن أنه يمكن أن يغير الآخرين نحو الأحسن، تجنب أن تهب نفسك مهمة منقذ الحياة. يمكنك فقط أن تعتنق الطريقة الجديدة وتعلمها لمن يطلبها منك بشكل صريح.
- لا تربط نفسك أبداً بما لا تستطيع التحكم به. مثلاً، إذا كان ابنك مجتهداً جداً في المدرسة لا تبني أحلاماً على النجاح الباهر الذي سوف يحقق ابنك يوماً ما. هذا أمر لا تستطيع التحكم به. اكتف فقط بدعمه والاستمتاع بنجاحه إن حصل وإلا فإن الخيبة قد تقتلك في حال فشله.
- استمتع بكل أمر جيد مهما صغر ولا تنتظر حدثاً مهماً يستحق الاحتفال. السعي وراء أهداف كبيرة في الحياة يصيب الانسان بحالة اكتئاب بعد الوصول إليها. هذا لا يعني أن لا تسعى نحو القمة ولكن تجنب أن تربط السعادة فقط بالأمور الكبيرة جداً (هذه المشكلة معروفة باكتئاب ما بعد الولادة لدى النساء الحوامل).
هذه الأمور الصغيرة ترافقنا في كل شاردة وواردة في حياتنا. تدريب أنفسنا على التصرف بهذا الشكل يقينا الوقوع في الاكتئاب. مع ذلك فإن هناك أمور يصعب التنبؤ بها. مثلاً فقدان شخص عزيز بحادث قد يؤدي للاكتئاب. في مثل هذه الحالة الطب موجود ليساعدنا. على كل حال فإن الاكتئاب الناتج عن الأمور الصغيرة ليس أقل قسوة من اكتئاب ناتج عن موت شخص قريب ومن هنا أهمية الوقاية منه بسلوك حياة متوازن.