كثرت الأنباء التي انتشرت على وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة حول نهاية قريبة للعالم والتي بحسب تقويم مايا يمكن أن تكون في عام 2012، ولكن هناك من يقول عكس ذلك وينظر إلى المستقبل بتفاؤل كبير ويقولون بأن العالم سيشهد عصراً ذهبياً من التطور التكنولوجي. تعالوا معاً لنحاول أن نتخيل كيف ستكون الحياة على الأرض في عام 2112 بعيون أحفادنا
تكنولوجيا النانو الكادحة في أجسام خالدة
إذاً تعالوا لنفترض بأنني إنسان أعيش في القرن الثاني والعشرين؟ وأنا عمري أكثر من 100 عام. نعم..نعم لأني ولدت في الوقت الذي تقرؤون فيه هذه السطور ومازلت على قيد الحياة حتى الآن! وأتمتع بحيوية ولا أنتظر الموت لأن البشرية اجتازت عتبة الخلود منذ زمن طويل. وهذا ليس عجباً ففي عام 2006 صرح البروفسور ريتشارد ميللر من جامعة ميتشغان بأنه تمكن مع زملائه الحصول على نتائج مخبريه في زيادة عمر الحيوانات الثديية بنسبة 40 بالمئة. وبالطبع تمكن العلماء لاحقاً من استخدام هذه التكنولوجيا وتطبيقها على الناس، وفي عام 2050 أصبح البالغين من العمر مئة عام يشعرون بصحة وكأنهم في عمر الستين، وفي نهاية القرن الحادي والعشرين لم تعد البشرية تعرف للموت معنى ولم أعد أشعر بالمرض وأصبح السرطان بالنسبة لي في القرن الثاني والعشرين كالطاعون والكوليرا.
إذاً تمكن الطب من علاج أي مرض والسر يكمن في أجهزة النانو المتطورة الدقيقة التي تعيش في نظام الدورة الدموية وتعمل على تنظيف الجسم. تتحرك هذه الأجهزة في جميع أعضاء جسم الإنسان وتقوم تلقائياً من تصحيح أي خلل أو عيب أو نقص، فعلى سبيل المثال تعمل الأجهزة على تخفيض نسبة الكولسترول والقضاء على الخلايا السرطانية والميكروبات الضارة. على كل حال كل شيء يحدث كما تصوره الكاتب الانكليزي الخيالي أرتور كلارك. فإذا تعرضت إلى رضوض خطيرة في العمود الفقري مثلاً أو إلى فقدان الأصابع أو اليد أو القدم فليس هناك أي مشكلة لأن العلاج يأتي فورياً عن طريق تناول ما يسمى "بحبة إعادة التكوين" التي تعيد بعد فترة وجيزة الأعضاء المفقودة إلى طبيعتها من جديد. هذا ما تنبأت به البروفسور إيلين هيبر كاتس من معهد ويستر من فيلادلفيا في أواسط العقد الأول من الألفية الثالثة. وكما قالت العرافة البلغارية المعروفة فانغا: "ستقضي البشرية في بداية القرن الحادي والعشرين على السرطان وسيأتي اليوم الذي سيكون فيه السرطان مكبلاً بسلسلة من الحديد". واليوم بإمكانكم أن تتأكدوا من صحة تنبؤات العرافة العظيمة فانغا. بالمناسبة فإن السلسلة الحديدية التي تحدثت عنها فانغا تعني جسمي لأن نصف أعضائه أصبح آلياً مثله مثل أي إنسان يعيش في عصري.
المتحدث عن طريق الخواطر "المتخاطر" بعضلات من فولاذ
عرف الإنسان منذ القدم أهمية العمل على تحسين أداء الجسد والروح وذلك للحصول على قدرات خيالية عن طريق قراءة الأفكار أو الحصول على حاسة سمع هائلة أو رؤية ما لا يمكن رؤيته وامتلاك عقل وقوة جسدية خارقة، كل هذا حصلت عليه عن طريق تطوير تكنولوجيا النانو العظيمة.
فقد تم زرع شريحة الكترونية داخل رأسي وأصبحت قادراً على قراءة الأفكار عن بعد والتحادث مع بقية الناس والتحكم بالأجهزة الحاسوبية والآلات الكترونية وممارسة الألعاب الافتراضية على كل حال هذه التكنولوجيا ليست جديدة، فقد تمكن المهندسون في شركة هوندا موتور اليابانية من تصميم Asimo وهو رجل آلي متخاطر كان يقوم على تنفيذ أوامر الإنسان عن طريق خوذة خاصة تمكن من ترجمة الأفكار إلى إشارات لاسلكية. أصبح هذا الاكتشاف في بداية الأمر عوناً كبيراً للمعاقين والمقعدين والمصابين بالشلل، ولكن لاحقاً تم تعميمه على الأصحاء من الناس.
وبحلول عام 2025 تمكن العلماء من تصميم عين وأنف وأذن وبشرة اصطناعية وهذه الاختراعات لا تحسن فقط من حواس الإنسان الطبيعية وإنما فتحت له المجال للشعور بأحاسيس جديدة وأنا اليوم أعيش جزئياً في عالم افتراضي فعلى سبيل المثال قمت بتركيب عدسة لاصقة أستطيع من خلالها الدخول إلى شبكة الانترنت وفي حال الضرورة أتمكن من رؤية المعلومات اللازمة من خرائط وأجهزة ملاحية ومواصفات لأي كائن ووثائق تاريخية، كما يمكن لهذه العدسات أن تترجم إيماءات الوجه وفي حال كان المتحدث أجنبياً فبإمكان العدسات أن تترجم ما يقوله الأجنبي بالصوت والصورة. يشار إلى أن البروفسور باباك بارويز من جامعة واشنطن كان قد تحدث عن إمكانية تصميم مثل هذه العدسات في عام 2011.
ما أتمتع به هو ذاكرة حادة وإمكانيات عقلية يحسدني عليها أينشتاين لأن دماغي موصولة مع الحاسوب ومعظم أعضاء جسمي أصبحت اصطناعية أكتسب منها قوة خارقة. على كل حال لقد كان العالم رودني بروكس من جامعة ماساشوتسيس التكنولوجية محقاً عندما أعلن في بداية القرن الحادي والعشرين أن الحدود ستزول بين الظواهر البيولوجية والتكنولوجيا الالكترونية وسيكون الإنسان شبيه إلى حد كبير بالرجل الآلي.
مرحاض للتحليل والتشخيص
الصورة: مدينة المستقبل التي تتألف من حشد من أجهزة النانو والتي يمكن أن تغير من شكلها في لحظة.
أنا أعيش في منزل مهمته العناية بصحتي، ففي الوقت الذي أستحم فيه تقوم غرفة الدش بمسح ضوئي لجسدي ومن ثم تقدم تشخيصاً لجميع أعضاء جسمي.
حتى أن الدخول إلى المرحاض أصبح له معنى طبياً، حيث يقوم كرسي المرحاض بتحليل البراز والبول، كل هذا والحياة في المنزل عبارة عن دورة مغلقة لا شيء ينقص فيها ولا شيء يزيد ولا شيء يذهب سدى، ونحن في هذا العصر لم نعد نعرف معنى للقمامة والفضلات، والبشرية حصلت على إمكانية السيطرة على المواد النووية تماماً. كل شيء متوفر لدي ولا داعي أن أذهب المحلات التجارية.
تقوم أجهزة النانو بتوفير كل ما أحتاجه عن طريق تفكيك أي مادة إلى جزئيات من القمامة أو الحجر أو الوسخ وتجمعها لتصبح ثياباً أو مواداً غذائية وتكنولوجيا منزلية وحتى مجوهرات وإكسسوارات للزينة. ومع تطور تكنولوجيا النانو أصبحت مجالات استخراج الثروات الباطنية والصناعة والزراعة قطاعات لا فائدة منها.
منزلي مثله مثل الموبيليا التي في داخله بإمكانه أن يأخذ شكلاً أخر لأنه متكون من كمية هائلة من أجهزة النانو المبرمجة والمؤتمتة والتي بإمكانها إعادة تشكيل نفسها لتكتسب صوراً لأشياء أخرى يمكن الاستفادة منها، وبفضل الحجم الهائل من أجهزة النانو يمكن أن تظهر وتختفي مدناً في لحظة من اللحظات. أتذكرون الجزء الثاني من الفيلم القديم بعنوان "ترميناتور" كان أحد أبطاله رجلاً آلياً مصنوعاً من المعادن السائلة؟ لم يعد ذلك محض خيال!
نياندرتالي بصوت بافاروتي
تعيش عندي قطة يشع منها النور وأنا مسرور لأنه بإمكاني التحادث معها وأسمع إلى أغانيها وهناك ديناصور صغير يعمل على حماية منزلي بالإضافة إلى حيوانات أليفة أخرى مثل الكلاب الصغيرة والببغاء التي يمكنها الغناء بأصوات لفنانين مشهورين وأسماك متنوعة. أما فيما يتعلق بالطبيعة البرية فقد تمكن العلماء منذ فترة بإعادة إحياء أنواع عديدة من الحيوانات عن طريق الحمض النووي حتى أنه تم إحياء فيلة الماموت وأنواع كثيرة من الديناصورات. بالمناسبة صرح بعض علماء الأحياء عام 2011 أنه أصبح بإمكانهم إعادة إحياء الإنسان القديم أو ما يسمى نياندرتالي. وقد أشار أحد خبراء شركة Advanced Cell Technology روبرت لانزا في حديث له مع الصحفيين قائلاً: "كل شيء ممكن من الناحية التقنية والنظرية ولا يمكن أن يقف أمام إعادة إحياء الإنسان القديم إلا المسألة الأخلاقية في هذا العمل".
جدير بالذكر أننا تمكنا من التواصل مع جيراننا من الكواكب الأخرى، ومع بداية القرن العشرين بدأ العلماء يعملون على تصميم أجهزة قادرة على تحويل مشاعر وأفكار الحيوانات إلى حديث مفهوم.
حتى أن البشرية تمكنت في بداية الأمر أن تتواصل مع فئة الرئيسيات ومن ثم تمكنت التواصل مع الثدييات وشيء فشيئاً تعلم الإنسان التواصل مع الأسماك والحشرات.
نزهة إلى العالم الآخر
إذا ما تساءلتم عن وسيلة النقل التي استخدمها إلى العمل أقول بأن لا حاجة لي لمغادرة المنزل من أجل العمل فأنا الآن أجلس على مقعد وثير، وبفضل العدسات التي تم ذكرها أنفاً أتعامل مع المهام الموكلة إلي بأفضل ما يكون. نحن الآن لا نعرف معنى للمكاتب واليوم نلتقي مع أصدقائنا عن طريق الواقع الافتراضي وإذا اضطررت أن أغادر المنزل أستخدم السيارة لهذا الغرض.
لكنني في هذه الحالة أنا راكب أكثر ما أكون سائق لأن القيادة كلها على عاتق الرجل الآلي القادر على قيادة المركبة دون وقوع حوادث سير مرورية. وكما كان متوقعاً فإن احتياطي النفط تم استنفاذه منذ زمن وإن وسائل النقل تعمل على وسائل الطاقة البديلة المحافظة على البيئة. أما عن الاستجمام فأنا أقوم برحلات إلى نوادي فضائية التي تم افتتاحها في المدار الخارجي وأقوم بنزهة إلى القمر والمريخ في الصيف مع أنه من الممكن أن نحل ضيوفاً على العوالم الأخرى والتي أصبحنا على علاقة جيدة معها. هكذا نعيش نحن في عام 2112.
بالطبع هناك من يقول إلى أن ما تم ذكره هو ضرب من الخيال ولكن صدقوني بأنه ليس فقط كتّاب القصص الخيالية يمكن أن يتنبئوا بهكذا مستقبل للأرض وإنما الكثير من العلماء أيضاً. ففي الوقت الذي تقرؤون فيه هذه السطور يقوم العلماء بمحاولات لتجسيد معظم العجائب التي تم ذكرها إلى حقيقة ولهذا من المتوقع أن يعيش أطفالنا وأحفادنا عالماً أكثر خيالية.